الآية الثالثة التي وردت فيها هذه الصيغة جاءت في قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ. أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً. أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ. أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ. فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} . الآيات (٤- ١٧) من سورة البلد.
تتضمن هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان يعاني متاعب ومشاق لا تكاد تنحصر، وأن هذا الإنسان يحسب لاغتراره بقوته وكثرة عدده وعدده ألا يقدر عليه أحدا ويقول مرائياً مفاخراً بكثرة ما أنفق في سبيل المكارم في الدنيا، ومن جراء أن يحمده الناس فيها، يقول أهلكت مالاً كثيراً، ويحسب أن أعماله التي لم يبتغ بها الدار الآخرة، وأن مقاصده التي لم يرد بها مرضاة الله تظل خافية لا يطلع عليها أحد، وقد غاب عنه أن عليه حفظة يكتبون عنه كل صغيرة وكبيرة إلى يوم الجزاء.
وتتضمن هذه الآيات أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على هذا الإنسان بنعم جليلة فقد جعل له عينين يبصر بهما المرئيات، ويستعين بهما على كسب القوت وحاجات الحياة، وينعم النظر بهما في آيات الله المبثوثة في جنبات الأرض وفي آفاق السماء.
وقد جعل له لساناً وشفتين يستعين بهن على مضغ الطعام الذي هو قوام حياته في الدنيا، وعلى النطق بلغة هي من أعظم النعم التي وهبها الله لهذا الإنسان، وقد هداه الله النجدين، طريق الخير وطريق الشر، فكل نفس بما كسبت رهينة.