للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن هذا الإنسان الذي أنعم الله عليه بهذه النعم الجليلة غمط هذه النعم فلم يشكر، وكفر بمن أنعم بها عليه فلم يؤمن.

والشكر على نعم الله تعالى عقبة كؤود، لا يقتحمها إلا الذين يؤمنون بالمنعم بها تبارك وتعالى فيشكرونه على ما أنعم به عليهم بالإنفاق فيما يرضيه من فك الرقاب، وإطعام اليتامى الأقرباء الفقراء، والمساكين الجياع الأباعد، ويتواصون بالصبر على الإيمان به سبحانه وتعالى، وبالصبر على طاعاته، وعلى ما يصيبهم من ضراء وبأساء، وبالصبر عما تهواه الأنفس ويزينه الشيطان من فساد وفسوق وعصيان، ويتواصون أيضاً بالتعاطف والتراحم وبما يؤدي إلى رحمة الله تعالى.

ومما تقدم تستطيعين أيتها الأخت أن تتبيني أن الهمزة في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} تفيد التقرير والتوبيخ: التقرير على معنى الإخبار أي قد جعلنا لهذا الإنسان عينين ولسانا وشفتين، والتوبيخ توبيخ هذا الإنسان على غمطه هذه النعم الجليلة، وعلى كفره بالمنعم تبارك وتعالى.

و (نجعل) في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} بمعنى نخلق، فالفعل يتعدى إلى مفعول واحد هو (عينين) و (له) جار ومجرور يتعلقان بـ (نجعل) .

وقد ذهب صاحب تاج العروس [٨] إلى أن الجعل في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} بمعنى التسوية والتهيئة، وإلى أن الجعل في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَة} بمعنى الخلق والإيجاد، ولا أرى وجهاً واضحا في التفرقة بين معنى الجعل في الآيتين.

الآية الرابعة التي وردت فيها هذه الصيغة جاءت في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} . الآيتان (١- ٢) من سورة الفيل.

والهمزة في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} للتقرير بمعنى الإخبار، أي قد جعلنا كيدهم في تضليل.