للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١) لعلك تستشكل وتسأل عن دليل تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام علماً بأني قد أدركت من محاضرتك بأنك مطمئن إلى قسمين من الأقسام الثلاثة ومستغرب القسم الثالث فقط الذي هو توحيد الأسماء والصفات الذي نحن بصدد الحديث عنه، وإجابة على سؤالكم المقدر، أقول مستعينا بالله وحده:

دليل تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة هو الاستقراء وهو دليل مسلم لدى جميع العقلاء وكيانه كالآتي:

(أ) هناك نصوص تتحدث عن انفراد الله تعالى بالخلق والإيجاد، والرزق والعطاء والمنع والضر وهو الذي يدبر الأمر من السماء والأرض وهو خالق كل شيء إلى غير ذلك مما يدل على توحيد الله تعالى في ربوبيته وخالقيته، ويسمى توحيد الربوبية، ولم يتوقف أحد من بني آدم فيه، بل هو معروف ومسلم به لدى جميع طبقات الناس حتى عند مشركي قريش {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}

(ب) وهناك نصوص تتحدث وتحث على إفراد الله تعالى بالعبادة كما انفرد بخلق العباد وجميع المخلوقات {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وغير ذلك من تلك النصوص الكثيرة التي تأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، لأن الشرك ظلم عظيم، ويسمى هذا النوع توحيد العبادة، وهو محل المعركة قديما وحديثا ولم تضع الحرب أوزارها إلى الآن ولن تضع أبدا، بل سوف يستمر الصراع بين الشرك والتوحيد وبين الإسلام والجاهلية بجميع صورها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك سنة الله التي لا تتغير، وهي حقيقة يجهلها أو يتجاهلها كثير من الدعاة في هذا الوقت.