قد يرد على خاطر بعض القراء أن الخوف من الله هو مرتبة من مراتب عوام المؤمنين، وأما خواصهم فليست هذه مرتبتهم، بل لهم مرتبة هي أسمى من ذلك، وهذا ظن مبتوت الوشائج بالحق، فلا مقام أسمى من مقام الخوف من رب العالمين، إذ هو مقام سادات الموحدين وكرام النبيين، ولنسمع في ذلك إلى قول رب العالمين:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ٨٩-٩٠: الأنبياء، ومعلومٌ أنّ الرهب هو الخوف.
عاشراً- الذين لا يخافون من الواحد القهار هم الأشرارُ الفجار:
وكما بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أن الخوفَ من جلاله وعقابه هو صفة الأبرار الأخيار، بَيَّنَ أنّ عَدَمَ الخوف هو صفة الأشرار الفجار، فقال سبحانه:{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً} ٦٠: الإسراء. وقال سبحانه في صفة الكافرين:{كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ} ٥٣: المدثر.
الرغب والرهب دعامتا العبادة:
وربما قال قائل قد أكثرتم الحديث عن الرهب، وصورتم العبادة خوفاً محضاً، فهل على الخوف وحده ينهض بناء العبادة؟!