في تلك الجزيرة الجميلة وفي الأعوام الأخيرة من عمره المبارك الميمون كان لي الشرف التعرف على ذلك المسلم العظيم الذي كنت قد قرأت له وعنه قبل لقائه فعظم في عيني وسما في نفسي ووجدت لدي الرغبة العظيمة في التعرف عليه والالتقاء به، وكان ذلك أثناء دراستي في الجامع الأزهر حيث تشرفت بزيارته في مكتبته الكبيرة في شارع الفتح في الروضة في ذلك الحي الهادئ الحالم، وبين أكداس وتلال من الكتب وخلف نظارته الساقطة على أنفه وتحت طربوشه الأحمر وفي جلبابه الأبيض كان يجلس محب الدين وعلى محياه معالم الثمانين التي قضاها في جهاد دائم بقلمه ولسانه وقلبه ويده. وكانت زيارة مباركة تلك التي تلتها زيارات شبه دورية لسنوات أقمتها هناك. وكان على أثر ذلك أن توثقت به صلاتي وكثرت له زياراتي، وعدت من ذلك كله بحصيلة مباركة من توجيهاته القيمة وإرشاداته السديدة وتجاربه الكثيرة خلال عمره المديد أضف إلى ذلك مجموعه من الكتب النادرة التي وجدتها في مكتبته الكبيرة التي كانت تعلوها طبقة سميكة من الغبار لأنها لم تمسسها يد منذ سنين، لقد تعرفت على محب الدين رحمه الله في الوقت الذي تنكر له فيه المجتمع الذي كان يعيش فيه وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت بأني كنت الوحيد الذي كان يقصده في أيامه الأخيرة ولكني في كل مرة كنت أحرص على أن أصحب معي مجموعه جديدة من الشباب المسلم الذين كنت أحرص على أن يتعرفوا به ويأخذوا عنه، لقد كان يعيش أيامه الأخيرة رحمه الله في غربة قاتلة ولم يكن يتصل بالمجتمع الذي يعيش فيه إلا عن طريق بعض الصحف التي كان مشتركاً فيها. وحتى أصحاب المكتبات لم يكونوا على صلة به وبمطبوعاته القيمة التي كان يصدرها, وأذكر أني قد أحضرت كثيراً من مطبوعاته لبعض المشايخ والطلاب وأصحاب المكتبات التي كانوا يطلبونها مني لصلتي به.