فأبو الدرداء يعلم حسن نية المنكرين على العاصي، وصدقهم في كراهية المنكر، لكنه لم يشأ أن يغلق على الرجل باب الإنابة والتوبة، وذلك عن طريق كلمة راشدة قد تستيقظ بها نفسه، فإذا هو مستقيم وجل. كما كان الحالة مع صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن.. ما الحكم إذا لم ينفع هذا الأسلوب مع العصاة، ولم يفد في تأديبهم؟ هنا. لا بد من الهجر والمقاطعة السلبية التي تحدثنا عنها آنفا..
هذا إذا لم تكن هناك مخالفات شرعية توجب حدا أو تعزيزا فيجب إقامتها طبعاً..
وقد استشكل البعض كون هجران الفاسق أو المبتدع أمراً مشروعا، على حين لا يشرع هجران الكافر وهو أشد جرماً؟.
وقد أجيب.. بأن الهجران على مرتبتين.. الهجران بالقلب، والهجران باللسان. فهجران الكافر بالقلب، وبترك التودد والتعاون والتناصر لا سيما إذا كان حربياً، وإن لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالباً، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها" [١٤] .
وبعد: فلابد- حفاظاً على كيان المجتمع المسلم- أن يكون هناك حدود لكل منكر - يظهر على أرضه، أو انحراف يطفو على سطحه، وهذا مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [١٥] .
ولو أن الخطائين، وأرباب العهر والفساد أحسوا بنبذ المجتمع لهم، واحتقاره لمساويهم، فقد يراجعون أنفسهم، أو يبحثون لهم عن مكان أخر في غير مجتمع الإسلام.