وعلى ذلك فالممكن في نظر الفلاسفة ليس وجوده من ذاته بل من غيره، فإن من الممكن في حد ذاته ليس وجوده بأولى من عدمه، فإذا وجد فلا بد أن يكون ذلك بمؤثر خارج عن ذاته، وفي ذلك يقول ابن سينا:
"ما حقه في نفسه الإمكان فليس يصير موجوداً من ذاته، فإنه ليس وجوده أولى من عدمه، من حيث هو ممكن، فإن صار أحدهما أولى فلحضور شيء أو غيبته"[٢٥] .
ولكن قد يقال: هذا الواجب بذاته الذي أَثبته ابنا سينا، والفارابي [٢٦] من قبله، هل هو الله الخالق للعالم بقدرته ومشيئته واختياره، كما قال تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} القصص آية ٦٨.
وكما قال تعالى:{الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر آية ٦٢.
الواقع أن فلاسفة الإسلام لم يثبتوا للعالم خالقا ومدبراً أوجد العالم بمشيئته واختياره، وإنما أثبتوا واجب وجود بذاته، هو- (الله) وجعلوه علة تامة، صدر عنها معلولها من غير اختيار ولا مشيئة، كصدور شعاع الشمس عنها.
أما خلق العالم وتدبيره، فقد أحالوه على العقول والأفلاك التي انفصلت عنه تعالى، عند تعقله لذاته، بدون اختياره ومشيئته، وبواسطة تلك العقول كان الخلق والتدبير، والإيجاد والإعدام.
أما الله -واجب الوجود-عندهم-، فلا صلة له بالعالم، لا من ناحية الخلق، فالخلق والتأثير إنما هو للعقول والأفلاك الناشئة عنه بطريق العلية، ولا من ناحية العلم فهو لا يعلم الجزئيات الكائنة في العالم، بل يعلم النظام العام للكون، ذلك لأن الجزئيات ناقصة، والله كامل، وعلم الكامل بالناقص ينقصه في نظرهم.
وبعد: فهذه نبذة عن بعض أراء الفلاسفة في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وبعض صفاته.