ومعنى الآية في صفوة التفاسير: أن هذا الكتاب المعجز مؤلف من جنس هذه الحروف المقطعة، فأتوا بمثله إن استطعتم، وقد أنزلناه عليك يا محمد لم تنشئه أنت، وإنما أوحيناه إليك، لتخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإيمان، بأمر الله وتوفيقه، إلى طريق الله العزيز الذي لا يغالب، المحمود بكل لسان، الممجد في كل مكان [١٢] .
أقول:
واقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (العزيز) جل وعلا، أفهم منه أنه تبارك وتعالى هو العزيز بعظمته وجلاله وقدرته وقهره وغلبته وسلطانه على كل ما خلق، وأن العزة صفة من صفات كماله، فمن أرادها فليهرع إلى مالكها لينقذه من ذلته، ويعزه سبحانه بعزته، كما أمرنا تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}(فاطر آية ١٠) ، ومع ذلك فلو نال العبد العزة من خالقه سبحانه، فإن عزته محدودةٌ بحدود تناسب بشريته وما جبلها الله عليه من طاقات وقُدرْات، لكن عزة الله ذي الجلال مطْلقَةٌ لاَ نِهَايَةَ لها تًناسب عظمته وجلاله. ورغم أنه جل وعلا العزيز القوي، الغالب، القاهر، فهو كذلك المحبوب، (الحميد) سبحانه، بمعنى المحمود المستحق أن يحمد بجميع أنوع المحامد، حتى ولو لم يحمده بعض العُمي المتخبطين ممن جحدوا نعمه وفضله وكماله وجلاله، إذ هو الجدير بكافة ألوان الحمد، والأهل لها، على وجه الثبات والاستمرار، ذلك بأن صفات كماله سبحانه – ومنها صفة العزة وصفة الحمد- ملازمة له لا تنفك عنه لحظةً ما، فمن أراد كذلك أن يحَمد على قوله، وعلى فعله، فليلتزمْ نهجَ (الحميد) سبحانه، ولنا في رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، إذ أنه حين التزم نهج الله (الحميد) كان مما وعده تعالى به يوم القيامة أن يبعثه مقاماً يحمد فيه وذلك في قوله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}(الإسراء آية ٧٩) .