وعاب الله على أولئك الذين ساءت أفعالهم، ورغم ذلك يحبون أن يحمدهم الناس على تمسكهم بالحق وهم على ضلال، ثم توعدهم سبحانه بالعذاب الأليم، فقال جل وعلا:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(آل عمران آية ١٨٨) .
والذي ألفه الناس فيما يتعاملون به بينهم، أن الشخص إذا كان قوياً متسلطاً على غيره، غالباً قاهراً لمن دونه، أن يكون مثل هذا الشخص مكروها غير محبوب ولا ممدوح، لكن الله عز وجل-ولله المثل الأعلى- رغم سلطانه وقوته، وقهره وغلبته، وهيمنته وعزته، فإنه تعالى هو المحبوب غاية الحب لكمال نعمه على خلقه، وهو الحميد المحمود غاية الحمد لكمال صفاته التي تغاير تماماً صفات خلقه، وإن اشتركت أحياناً ألفاظ هذه الصفات، ذلك بأنه سبحانه لا يمَاثِلُهُ واحدٌ من خلقه، ولا يماثِلُ واحداً من خلقه، فهو تعالى كما وصف نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى آية ١١) . أي ليس له تعالى مثيل ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد.
وقال القرطبي: والذي يعتَقَدُ في هذا الباب أن الله -جلّ أسمه- لا يشبه شيئاً من مخلوقاته. ولا يشبَّه به أحد، وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات الخالق -عزَّ وجلَّ- بخلاف صفات المخلوقات، وإذْ صفاتهم لا تنفكُّ عن الأعراض والأغراض، وهو تعالى منزهُ عن ذلك، وقد قال بعض المحققين: التوحيد إثبات ذاتٍ غير مشبهةٍ للذوات، ولا معطَلةٍ من الصفات، إذ ليس كذاته -سبحانه- ذات، ولا كأسمائه أسماء، ولا كأفعاله أفعال -وهذا هو مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة [١٣] .