ثم عاد واستلم الحجر وقال لعمر "استلم الركن فأنت قوي" ثم خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم وقال: أبدأ بما بدأ الله به، وصعد الصفا وكبر وسعى على راحلته وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. ولما انصبت قدماه في الوادي رمل وقال: أيها الناس اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي وقال في سعيه: رب اغفر وارحم فلما قضى سعيه أمر من لم يسق هديه أن يفسخ حجه إلى عمرة ويتحلل ثم يهل بالحج. وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ودخل الكعبة وصلى فيها ركعتين وقام بها حتى يوم الخميس وكان يوم التروية فخطب بعد الظهر بمكة ووعظ الناس وقال: من استطاع أن يصلي بمنى فليفعل فصلى في مكة بحجته أربعة أيام يقصر الصلاة ويقول أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر وركب حين زالت الشمس يوم التروية بعد أن طاف بالبيت فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى.
ولما طلعت الشمس ركب إلى عرفة حتى أتى باطن وادي عرنة وخطب حين زالت الشمس على ناقته فلما فرغ من الخطبة أذن بلال وأقام العصر والظهر بأذان واحد وإقامتين ثم رفع يديه يشير إلى الناس ارفعوا عن بطن عرنة ثم قالت في خطبته: يا أيها الناس إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. خطب خطبته المشهورة التي وعظ بها الناس الموعظة البليغة وفتح الله أسماع الناس في عرفة ووقف بعرفة خلف الصخرات، وقال: كل عرفة موقف إلا بطن عرنة كل مزدلفة موقف إلا بطن محسر، وقال: إن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ووقف على راحلته حتى غربت الشمس. ونزل عليه وهو واقف بعرفة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} .