لقد أشرف بنفسه على تربية أولاده، وخصص لهم جزءا من وقته ليطلع على أعمالهم، فيقْوّم معوجهم، ويوجه من اختاره ليتولى تربيتهم إلى الطريق القويم. فيضع بهذا منهجا إسلامياً لا يصلح لأبنائه وحدهم، وإنما هو قاعدة أساسية لتربية أبناء المسلمين، وإن في رسالته لسهل مولاه وقد اختاره ليؤدب أولاده. منهجا قويما يخلق الأمة الصالحة التي تكون درعاً ووقاية للإسلام والمسلمين.
يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لسهل مولاه ومؤدب أولاده:"أما بعد: فإني اخترتك على علم مني بك لتأديب ولدي، فصرفتهم إليك عن غيرك من مواليّ، وذوي الخاصة بي، فحدثهم بالجفاء؛ فهو أمعن لإقدامهم، وترك الصحبة فإن عادتها تكسب الغفلة، وقلة الضحك، فإن كثرته تميت القلب.
وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغضْ الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف، واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب، كما ينبت العشب الماء.
ولعمري لتوقي ذلك، بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء مما ينتفع به.
وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن. يتثبت في قراءته، فإذا فرغ تناول قوسه ونبله، وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة أرشاق، ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول:
"يا بني قيلوا فإن الشياطين لا تقيل".
إن هذه الرسالة الخالدة لتضع أسس التربية الصحيحة في كل زمان ومكان: فهي تضع الجد في معاملة المربي والمؤدب للدارسين عليه، والبعد بهم عن طريق اللهو، ومزج الجد باللعب. حتى يكون ذلك أدعى لتقويم النفس، وتعويدها على الشجاعة والإقدام.