للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم تجبه، فأمر إنسانا فجاء بها، فقال:

ما منعك أن تجيبي.

قالت:

إن ملابسي ليست حسنة!

فقال: يا مزاحم، انظر إلى تلك الفرش التي فتقناها، فاقطع لها منها قميصا ‍.

فذهب إنسان إلى أم البنين عمتها فقال:

ابنة أخيك ليس عندها من الملابس ما تستحسنه، وأنت عندك ما عندك، فأرسلت إليها بتخت من ثياب، وقالت:

ويروي ابن عبد الحكم في سيرة عمر: أن ابنته أرسلت إليه بلؤلؤة وقالت له:

يا أبتي إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني.

فأرسل لها بجمرتين ثم قال لها:

إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت إليك بأخت لها!!.

كان عمر بن عبد العزيز قبل أن يتولى الخلافة يعيش في نعيم مقيم، وترف لم يره أموي، وهبت له هبات كثيرة- غير ما ورثه- وضياع منتشرة في كل الآفاق، كان له أرض تُدرّ عليه الغلات الكثيرة في الحجاز والشام ومصر واليمن والبحرين. فدخل له من الأموال ما لا يحصى.

قال ابن عبد الحكم:

"وكان عمر بن عبد العزيز أعظم أموي ترفها وتملكا غذي بالملك، ونشأ فيه، لا يعرف إلا وهو تعصف ريحه فتوجد رائحته في المكان الذي يمر فيه، ويمشي مشية تسمى "العمرية"فكان الجواري يتعلمنها من حسنها، وتبختره فيها، وأنه ترك كل شيء كان فيه لما استخلف غير مشيته، فإنه لم يستطع تركها، فربما قال لمزاحم:

ذكرني إذا رأيتني أمشي فيذكره فيخلطها، ثم لا يستطيع إلا إياها فيرجع إليها".

وبلغ عمر من رفاهيته قبل الخلافة أن الناس كانوا ينتظرون يوم أن تؤخذ ملابسه إلى المغسل، لتغسل ملابسهم بعد ملابسه حتى ينالها الكثير مما نزل منها من الطيب في الماء.

لكنه ترك كل هذا لحظة تولى الخلافة، ورأى أنه مسئول مسئولية كاملة أمام الله عن الدين وعن العباد بادئا بنفسه وأهله، راجيا أن ينجو من العقاب في آخرته.