ومن أنجب أولاده، وأزهدهم، وأقربهم من الله عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وأمه ليست فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان زوجة عمر وإنما هي أم ولد فقد أنجب منها عمر عبد الملك هذا والوليد وعاصما ويزيد وعبد العزيز وزيان وأمينة وأم عبد الله. كان أزكى أولاده عقلا، وأحدهم تفكيرا، وأقواهم إيمانا، وأشدهم- على الرغم من صغر سنه- خوفا من الله! وأصبرهم على البلاء.
وكان منذ طفولته أكثر إخوته التصاقا بأبيه، ملازما له، معاونا له في الشدائد، ناصحا له في العمل، داعيا له، مخوفا لأبيه من لقاء الله مع صغر سنه، حتى لقد روى عن بعض مشيخة أهل الشام قال:"كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أَدخله في العبادة ما رآه من ابنه عبد الملك"!.
كتب عمر إلى عبد الملك ابنه مرة فقال:"إنه ليس من أحد، رشده وصلاحه أحب إليّ من رشدك وصلاحك، إلا أن يكون والي عصابة من المسلمين، أو من أهل العهد يكون لهم في صلاحه، ما لا يكون لهم في غيره، أو يكون عليهم من فساده، ما لا يكون لهم من غيره".
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ابنه عبد الملك وهو صغير وقد ظهرت عليه مخايل النجابة والفهم الواعي، وقد خصه والده بالعناية والاهتمام قال في رسالته إليه:
أما بعد: فإن أحق من تعاهدت بالوصية والنصيحة بعد نفسي أنت، وإن أحق من وعى ذلك، وحفظه عني أنت.
إن الله له الحمد قد أحسن إلينا إحسانا كبيرا بالغا في لطيف أمرنا وعامته، وعلى الله إتمام ما غبر من النعمة، وإياه نسأل العون على شكرها.