فاذكر فضل الله عليك وعلى أبيك. ثم أعن أباك على ما قوي عليه وعلى ما ظننت أن عنده فيه عجزا عن العمل فيما أنعم به عليه وعليك في ذلك، فراع نفسك وشبابك وصحتك، وإن استطعت أن تكثر تحريك لسانك بذكر الله تحميدا وتسبيحا وتهليلا، فافعل فإن أحسن ما وصلت به حديثا حسناً حمد الله وشكره، وإن أحسن ما قطعت به حديثا سيئا حمد الله وذكره، فلا تفتتن فيما أنعم الله به عليك فيما عسيت أن تقرظ به أباك فيما ليس فيه.
إن أباك كان بين ظهري إخوته يفضل عليه الكبير. ويدنى دونه الصغير، وإن كان الله- وله الحمد- رزقني من والدي حسبا جميلا. كنت به راضيا أرى أفضل ببره ولده عليّ حقا حتى ولدت وولدت طائفة من إخوتك، ولا أخرج بكم من المنزل الذي أنا فيه، فمن كان راغبا في الجنة، وهاربا من النار فالآن التوبة مقبولة والذنب مغفور قبل نفاد الأجل وانقضاء العمل، وفراغ من الله للمنقلبين، ليدينهم بأعمالهم في موضع لا تقبل فيه الفدية، ولا تنفع فيه المعذرة، تبرز فيه الخفيات، وتبطل فيه الشفاعات، يَرِده الناس بأعمالهم، ويصدرون عنه أشتاتا إلى منازلهم.
فطوبى يومئذ لمن أطاع الله، وويل لمن عصى الله. فإن ابتلاك الله بغنى فاقتصد في غناك، وضع لله نفسك، وأد إلى الله فرائض حقه من مالك، وقل كما قال العبد الصالح:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(سورة النمل آية ٤٠) .