وإياك أن تفخر بقولك، وأن تعجب بنفسك، أو يخيل إليك أن ما رزقته لكرامة لك على ربك، وفضيلة على من لم يرزق مثل غناك، فإذا أنت أخطأت باب الشكر، وتركت منازل الفقر، وكنت ممن طغى للغنى، وتعجل طيباته في الحياة الدنيا، فإني لأعظك بهذا، وإني لكثير الإسراف على نفسي غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لم يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويعمل في الذي خلق له من عبادة ربه إذن لتواكل الناس الخير، وإذن لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(سورة الجاثية ٣٦- ٣٧) .
هذا الابن البار. والذي أخذه والده بالنصيحة. لم يمض عليه زمن يسير، حتى أصبح الأب الخليفة ينتظر منه توجيها له نصيحة يقدمها بين يديه. ورأيا صائبا يعرضه عليه. وأمرا يخوف أباه منه، ودرجة عند الله يغري بها الابن والده. وأصبح عمر ينتظر كل يوم جديدا من عبد الملك ينقذه به من غفلة ومن سهو حتى لقد قال سيار بن الحكم:
"كان ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك. وكان رحمه الله يفضل على عمر. قال: يا أبت أقم الحق ولو ساعة من نهار".
وروي أن عبد الملك دخل على عمر فقال:
- يا أمير المؤمنين إن بي حاجة فأخلني- وعنده مسلمة بن عبد الملك- فقال له عمر: أسر دون عمك.
قال: نعم.
وخرج وجلس بين يديه. فقال:
يا أمير المؤمنين. ما أنت قائل غدا لربك إذا سألك، فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟
فقال عمر: يا بني أشيء حملّك الرعية إليّ أم رأي رأيته؟
قال: بل رأي رأيته من قبل نفسي. وعرفت أنك مسئول فما أنت قائل؟.
قال أبوه:
رحمك الله، وجزاك من ولد خيرا، فإني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير.