يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة. ومتى ما أريد مكايدتهم على انتزاع ما في أيديهم، لم آمن أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يهراق في سببي محجمة من دم.
أو ما ترى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين.
وجلس عمر بن عبد العزيز يوما للناس، فلما انتصف النهار ضجر وملَّ وكلذَ، فقال للناس: مكانكم حتى أنصرف إليكم. ودخل ليستريح ساعة، فجاء ابنه عبد الملك، فسأل عنه، فقالوا: دخل.
فاستأذن عليه. فأذن له، فلما دخل قال:
يا أمير المؤمنين ما أدخلك؟
قال:
أردت أن أستريح ساعة.
قال عبد الملك رحمه الله:
أو أمنت الموت أن يأتيك، ورعيتك على بابك ينتظرونك. وأنت تحتجب عنهم!!
فقام عمر من ساعته، وخرج إلى الناس.
وقال عبد الملك مرة يا أمير المؤمنين ما يمنعك أن تمضي الذي تريده، فو الذي نفسي بيده ما أبالي أن لو غلت بي وبك القدور!!
قال:
وحق هذا منك!
قال: نعم والله.
قال عمر:
الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يعينني على أمر ديني، يا بني: إني لو باهت الناس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها، فإذا أنكروها لم أجد بدا من السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف. يا بني: إني أروض الناس رياضة الصعبة. فإن بطأ بي أرجو أن ينفذ الله مشيئتي. وإن تعدد على منيتي فقد عدم الله الذي أريده.
ودخل عبد الملك على أبيه الخليفة عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تقول لربك إذا أتيت، وقد تركت حقا لم تحيه. وباطلا لم تمته؟.