للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس الحق، فانتهت الأمور إلي. وقد أقبل شرها وأدبر خيرها. لكن ليس حسنا جميلا أن لا تطلع الشمس علي في يوم لا أحييت فيه حقا. وأمت فيه باطلا. حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك.

وغضب عمر يوما واشتد غضبه، فلما سَكت عنه. قال له عبد الملك:

يا أمير المؤمنين في قدر نعمة الله عندك، وموضعك الذي وضعكم الله به وما ولاك من أمر عباده أن يبلغ بك الغضب ما أرى.

قال عمر:

كيف قلت؟

فأعاد عبد الملك كلامه.

فقال عمر:

أما تغضب أنت يا عبد الملك؟

فقال الفتى رحمه الله:

ما يغني عني جوفي إن لم أرد الغضب فيه حتى لا يظهر منه شيء.

اجتمع نفر من بني أمية من الذين يريدون المال والجاه والسلطان الدنيوي إلى عبد الملك بن عمر فقالوا له:

إن أباك قطع أرحامنا، وانتزع ما في أيدينا. وعاب على سلفنا وإنا- والله- لا نصبر على ذلك، فقل له يكفي عما نكره. ففعل ذلك عبد الملك. ودخل عليه فأخبره بذلك.

فكأن عمر وجد في نفسه مما قال، فقال له عبد الملك:

يا أمير المؤمنين امض لما تريد، فوالله لوددت أنه قد غلت بي وبك القدور في الله ‍

فقال له:

جزاك الله خيرا يا ولدي، الحمد لله الذي شد ظهري بك يا عبد الملك.

لم يتجاوز عبد الملك السابعة عشرة من العمر حتى أصبح مستشارا للخليفة، لا يُقْضى أمر إلا بعبد الملك، فكان كلما أشكل موضوع نادى المقربون والفقهاء عبد الملك، ليقضى الأمر برأيه حتى صار على صغره في الصف الأول من فقهاء الشام علما وزهدا وورعا. حتى لقد قالوا عن عبد الملك "إنه أعجوبة تاريخ ونادرة فلك".

عرض عمر رضي الله عنه يوما على وزيره مزاحم ما يفعله ببعض المال، وكان ذلك العرض أمام الناس فقال مزاحم:

ولدك يا أمير المؤمنين أحق به!

فلما بلغ عبد الملك ما قاله مزاحم. أسرع إليه فلقيه فقال له: بئس وزير الخليفة أنت يا مزاحم!