ثم انطلق إلى أبيه ولم يزل به حتى دفع ذلك المال إلى بيت المال وحذره من وزراء السوء.
وكان عمر يرى أن الأموال التي أخذت من الناس في غير عهده ظلم ليس مسئولا عنها. واختلف الفقهاء. ولم يصلوا لرأي، فقالوا: نادوا عبد الملك.
فقال رحمه الله:
يا أمير المؤمنين أرى أن تردها، فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها.
مواقف عديدة وكثيرة لعبد الملك. ولا يملك الأب الخليفة إلا أن يضم ابنه النابغة إلى صدره ويشبع رأسه ووجهه لثما وتقبيلا.
هذا الابن البار بأبيه. والذي أوشك على السن التي يقضي بها بين الناس، أصبح فجأة عديم الحركة، قليل الكلام، ملازم الفراش، يتلوى من الألم.
كثر دخول الأطباء وخروجهم. والأب مشغول بالرعية. يمر على فتاه من وقت لآخر. والله أعلم بما يكابد.
ولكن العلة أحكمت. وزاد المرض، والتفت عمر إلى الأطباء فقالوا:
إذا مس الطاعون وهو قرحة فوجد لينا طمع لصاحبه في البرء منه. وإن كان خشنا يئس من صاحبه.
دخل الخليفة على فلذة كبده، فقال.
دعني أمس قرحتك. فكَره عبد الملك أن يمسّها أبوه فيجزع. وكانت متحجرة خشنة، فقال:
أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ فعلم عمر لم منعه، فقال:
ولم يا بني؟ فو الله لأن أقدّمك فأجدك في ميزاني أحب إلي من أن تقدمني فتجدني في ميزانك.
فقال الابن البار:
وأنا يا أمير المؤمنين، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب، فلمسها، فقال:
يا عبد الملك، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (آل عمران آية ٦٠) .
فقال:
{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (سورة الصافات آية ١٠٣) .
غاب الأب قليلا، ثم رجع ملهوفا إلى ابنه، فوجده يجود بنفسه، فقال:
كيف تَجِدك يا بنَي؟
قال:
أجدني في الموت، فاحتسبني يا أمير المؤمنين، فإن ثواب الله خير لك مني.
قال عمر: