رضي الله عنك يا بنيّ، فإنك لم تزل تَسر أباك، وأنت في الخِرَق، وما كنت قط أسَرّ إليّ منك حيث يصيّرك الله في ميزاني، فرضي الله عنك، وعن كل شاهد وغائب دعا لك بالخير.
وما كاد عمر يخرج، حتى عاد إلى ابنه، وكان قد فارق الحياة، فكشف عن وجهه، وأنعم النظر....... ثم قال:
رحمك الله يا بني، سررت بك يوم بشرت بك، ولقد عُمرّت مسرورا لك، وما أتت عليّ ساعة أنا بك فيها أسر مني بك من ساعتي هذه، أما والله إن كنت لتدعو أباك إلى الجنة!
دعا عمر رضي الله عنه أبا قلابة. وكان يستعد لغُسْل عبد الملك رحمه الله، وقال إذا غسّلته وكفنته، فآذنى به قبل أن تُغَطي وجهه، فنظر إليه ثم قال:
رحمك الله يا بُنَيّ وغفر لك.
وخرج الناس بسريره ليصلى عليه، فصف عمر الناس، ثم قام حيال صدره أو رأسه ثم قال:
هكذا يقوم ولي الرجل من الرجل، ومن المرأة يقوم حيال وسطها، فلما صار إلى القبر، دخل فيه وأخذ برأس ابنه حتى وضعه في اللحد.
قال زياد بن حسان:
إنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك رحمه الله وسوى عليه التراب، سووا قبره بالأرض، وصنعوا عند رأسه خشبتين من زيتون إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة، واستوى قائما.
فلما رآه الناس قائما قاموا، فقال اجلسوا، فإنما يجب القيام على أَولياء الميت.
فلما انتهى من قبول التعزية أحاط به الناس، فنظر إلى قبر ابنه ثم قال:
والله يا بني لقد كنت برا بأبيك، والله مازلت مذ وهبك الله لي مسرورا بك، ولا والله ما كنت قط أشد سرورا، ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله فيه. فرحمك الله، وغفر ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، ورحم الله لكل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب، رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين".