للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انصرف عمر راجعا وفي أثناء سيره رأى قوماً يرمون، فلما رأوه أمسكوا فقال: ارموا، ووقف عليهم.

فرمى أحد الرامين، فأخرج، فقال له عمر:

أخرجت، فقصّر.

ثم قال للآخر:

ارم.

فرمى، فقصّر فقال له عمر:

قصرت فبلغ.

فقال له مسلمة:

يا أمير المؤمنين أيفرغ قلبك لما يفرغ له، وإنما نفضت يدك من تراب قبر ابنك الساعة، ولم تصل إلى منزلك بعد؟!

فقال له عمر:

يا مسلمة، إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت المصيبة فَالْهَ عما فاتك.

ويقال: إن عمر بن عبد العزيز وهو يدفن ابنه عبد الملك رأى رجلا يشير بشماله.

فقال له:

يا هذا إذا تكلمت فلا تشر بشمالك، أشر بيمينك.

فقال الرجل:

ما رأيت كاليوم أن رجلا دفن أعز الناس ثم إنه يهمه شمالي ويميني.

خطب عمر بن عبد العزيز الناس بعد وفاة ابنه عبد الملك فكان مما قاله:

إن الله جل ذكره لم يجعل مسيء ولا لمحسن خلودا في الدنيا، ولم يرْضَ بما أعجب أهلها ثوابا لأهل طاعته. ولا ببلائها عقوبة لأهل معصيته، فكل ما فيها من محبوب متروك، وكل ما فيها من مكروه مضْمَحل.

كتب على أهلها الفناء، وأخبر أنه يرث الأرض ومن عليها، فاتقوا الله واعملوا ليوم {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} (سورة لقمان آية ٣٣) .

كتب رجل إلى عمر يعزيه فأجابه:

إني لم أزل في صحة منه وسلامة، موطنا نفسي على فراقه والسلام.

وكتب عمر إلى عماله:

إن عبد الملك بن عمر كان عبدا من عبيد الله أحسن إليه وإلى أبيه فيه. أعاشه ما شاء. ثم قبضه إليه، وكان ما علمت- والله به أعلم- خيرا. ومن صالحي شباب أهل بيته قراءة للقرآن. وتحريا للخير. وأعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله. فإن ذلك يحسن بي في إحسانه إلي. وتتابع نعمه عليّ.