للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قلت عند الذي كان بما أمر الله عز وجل أن أقوله عند المصيبة، ثم لم أجد بحمد الله إلا خيرا. ولا أعلم ما بكت عليه باكية. ولا ناحت عليه نائحة، ولا اجتمع لذلك أحد؛ فقد نَهيْنا أهله الذين هم أحق بالبكاء عليه.

لقد درب عمر منذ الصغر وقبل الخلافة على مواساة الناس، وإظهار منزلة الصبر في حياة المؤمن، والعمل بما وعي وفهم، مستمدا كل هذا من معاملته مع ربه، قوي الإيمان، ثابت العقيدة.

قال له الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك يوما: يا عمر هل يكون المؤمن في حالة تنزل به المصيبة، فلا يألم لها؟

قال عمر:

لا، يا أمير المؤمنين، لا يكون أن يستوي عندك ما تحب وما تكره، أو تكون الضراء والسراء عند أحد سواء. ولكن مُعوّل المؤمن الصبر.

كان الناس يتكاثرون، يبكون ويواسون الخليفة عمر بن عبد العزيز، قاصدين التخفيف عن أمير المؤمنين في موت عبد الملك ابنه، ولكن عمر كان يسبقهم بالنصيحة والموعظة.

وقف مرة بين الناس، وهم يواسونه، فكان مما قاله:

الحمد لله الذي جعل الموت حتما واجبا على خَلْقه، ثم سوَّى بينهم، فقال:

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (آل عمران ١٨٥، الأنبياء٣٥، العنكبوت ٥٧) .

فليعلم ذوو النّهى أنّهم صائرون إلى قبورهم، مفْرَدون بأعمالهم، واعلموا أن عند الله مسألة فاضحة، فقال عز وجل:

{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. َ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة الحجر آية ٩٢) .

قال أبو الحسن المدائني: أخبرنا العباس بن معاوية قال:

عزى محمد بن الوليد بن عتبة بن أبى سفيان عمر بن عبد العزيز عن ابنه عبد الملك فقال:

يا أمير المؤمنين، ليَشْغَلْك ما أقبل من الموت إليك عمن هو في شغل عما دخل عليك، واعْدد لما ترى عُدّة تكون لك جُنَّةً من الحزن، وسِتْرا من النار.

فقال عمر: فَهَلْ رأيْتَ حزنا يُنْكر أو غفلة أنبّه لها؟

فقال: