للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أمير المؤمنين، لو أن رجلا ترك تعزية رجل، لعلْمِه وانتباهه لكُنْتَه، ولكنّ الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.

رثى الناس عبد الملك، وتكلم الكثيرون عن فضله مع صغره وذكائه النادر، وعلمه الغزير، وعمر يتقبل كل هذا بصبر الواثق بما عند الله، وكان مما قيل ليواسوا به عمر، وليصرفوا عنه حزنا ألم به.

لما قد ترى يغذى الصغير ويولد تَعَزّ أمير المؤْمنين فإنّه

لكل على حوض المنية مورد هل ابنك إلا من سلالة آدم

ثم مرض عمر بن عبد العزيز بعد موت عبد الملك، وكان من آخر ما تكلم به عمر أن قيل له: لقد تركت أولادك صغارا وهم كثيرون، وليس لهم مال، ولم تولهم إلى أحد، قال:

ما كنت لأعطيهم شيئا ليس لهم. وما كنت لآخذ منهم حقا لهم. أولي فيهم الذي يتولى الصالحين، إنما هؤلاء أحد رجلين رجل أطاع الله ورجل ترك أمر الله وضيعه.

ودخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه، فقال: يا أمير المؤمنين.

من توصى بأهلك؟

فقال عمر رضي الله عنه:

إذا نسيت الله فذكرني.

فأعاد عليه القول مسلمة قائلا: من توصي بأهلك؟

فقال عمر:

إن وليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين.

ودخل عليه مسلمة بن عبد الملك في رواية أخرى فقال:

يا أمير المؤمنين ألا توصي؟

قال عمر:

وهل من مال أوصي فيه؟

فقال مسلمة:

مائة ألف أبعث بها إليك. فهي لك فأوص فيها.

قال:

فهلا غير هذا يا مسلمة.

قال:

وما ذاك يا أمير المؤمنين.

قال عمر رضي الله عنه:

تردُّها من حيث أخذتها!!

فبكى مسلمة، وقال:

رحمك الله لقد ألنت منا قلوبا كانت قاسية، وزرعت في قلوب الناس مودة، وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا [٣] .

وروي أيضا:

أن مسلمة دخل على عمر في مرض موته فقال: