وظهرت على الساحة الأوربية أفكار أخرى كانت أقلّ خطراً من ردود الفعل السابقة فصلوا فيها الدين عن الحياة، فقالوا دع ما لقيصر لقيصر والدين للرب في الأعالي.
ووقف بعضهم من الصراع الدائر حول الكنيسة موقف اللامبالاة، ووقع كثيرون غيرهم في الحيرة، ولجأ آخرون إلى القوانين الوضعية وراحوا يحدثون لأنفسهم أنظمة يسيرون عليها. ولم تخلُ الساحة من أناس حكموا عقولهم وأعملوا فكرهم بالبحث ووضعوا المسيحية تحت الفحص والتمحيص وظهرت نتيجة ذلك حركات التحرر والمذاهب الإصلاحية، وأزيلت الحواجز التي أقيمت بين الشباب وبين الإسلام للتعرف على حقيقة والإطلاع على دقائقه وتفاصيله التي ليس هناك مجال للمقارنة ولا يحتاج الإسلام للحكم عليه.
إن الإسلام لا يغفل العقل بل يحث على المحافظة عليه واستخدامه ويدعو إلى العلم ويطالب بفهم الحجة والبرهان.
وقد حث أتباعه على النظر في ملكوت السماوات والأرض، ونعى على المشركين عدم استخدامهم عقولهم، واعتمادهم على الأصنام والأوثان، وما يروجوه لهم سدنتها من الخرافات والأباطيل، واستنكر تقليدهم الأعمى للآباء والأجداد، واتباعهم الهوى والظن.
وأمر بالعلم وجعله فرضاً على كل مسلم، ونفر من الجهل، وكانت أول آية نزلت من عند الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم آمرة بالقراءة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .
وقرر الإسلام أنه لا واسطة بين العبد وربه وأن الرسل والأنبياء إنما هم مبلغون. مبشرون ومنذرون، وينحصر عملهم في الدلالة على الهدى وتوضيح معالم الطريق وكذلك العلماء من بعدهم، وبذلك قطع الإسلام الطريق على كل من تسول له نفسه الدجل الرخيص والتلاعب بالمثل والقيم والتستر خلف الدين لتحقيق منافع شخصية ومآرب دنيوية رخيصة. واستنكر على أصحاب الديانات قبله ما قاموا به من تشويه كتبهم السماوية وتحريف كلمها عن مواضعه.