للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مما يجعل الجواب المتلقي يتلهف عليه، ويدخل إلى النفس مباشرة، فيمكث فيها دافعا إلى العمل الجاد، ومن هذه الصورة الرائعة في السيرة النبوية الحديث الوارد في السؤال عن (المفلس) ويبدو هذا السؤال سهلا ليس في الجواب عليه شدة وعناء، ولهذا سيكون جوابهم بما يعرفون ويعاينون في واقع حياتهم "المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع". هذه هي الصورة الشائعة المعروفة عندهم، قالوها بكل هدوء وتؤده، ولكن يا ترى: أليس هناك صورة أخرى للمفلس؟ لا شك في هذا الجواب إذ لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم - يريد هذا الجواب لما سأل لأنه يعرفه قطعا، ولذا كانت هذه النفوس متعطشة لمعرفة هذا المفلس، أو هذا المعنى الجديد للإفلاس، وسيقترن هذا المعنى الجديد بالمعنى العادي المعروف، فكلما مر المعنى الدارج فستنطلق النفس إلى المعنى الجديد، وتعلو بروحها وفكرها عن كل المعاني القديمة للإفلاس، ويثبت فيها أن المفلس هو "من يأتي بصلاة وصيام وزكاة -أي يأتي بعمل صالح - ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم يطرح في النار" وإذا علمنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما كان يتكلم لم يكن يسرد الحديث سردا، بل لو شاء أن يعده العاد لاستطاع، عرفنا مدى تأثير هذا في نفوس السامعين، فالسامع للسؤال جالت في نفسه صورة الإفلاس الدنيوي، وربما خطر في فكره صور متعددة لأناس قد أفلسوا ولم يبق معهم درهم، ولم يملكوا متاعا، ثم سما بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا التصور إلى صورة جديدة فيقول: "المفلس من جاء بصلاة وصيام وزكاة". وهذا مما يدعوا إلى العجب فينبه العقول تنبيها قويا شديدا إذ كيف يكون من عمل عملا صالحا مفلسا؟ وأصبحت النفوس مستوفزة لتمام معرفة المفلس، وعند ذلك تأتي الصورة الكاملة وأنه قد أساء إلى المجتمع