الرأي الثاني: أن الفاعل ضمير اسم الله تعالى، وعلى هذا الرأي فالمصدر المؤول من أنْ وجواب لو هو المفعول به، والتقدير أو لم يهد أي يبين الله لهم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك.
الرأي الثالث: أن الفاعل ضمير مستتر في يهد يعود على ما يفهم من سياق الكلام، والتقدير: أو لم يبين لهم ما جرى للأمم السابقة إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك.
ويبدو لي - والله أعلم- أن أقرب هذه الآراء الثلاثة إلى الصواب هو الرأي القائل: إن المصدر المؤول من أَنْ وجواب لو هو الفاعل لأنه هو الذي يبدر إلى الذهن أول وهلة، وعليه ظاهر اللفظ، ويؤيده تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وتفسير أبي جعفر بن جرير، فقد جاء في تفسير ابن كثير [٣] : "قال ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا} أولم يُبين لهم أنْ لو نشاء أصبناهم بذنوبهم. وكذلك قال مجاهد وغيره، وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها [٤] يقول الله تعالى أولم يبين للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين كانوا أهلها، فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا عن أمر ربهم {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} اهـ.
والظاهر من التفسيرين المتقدمين أن الفاعل هو أنْ وما في حيزها، وليس فيهما ما يدل على أن الفاعل ضمير اسم الله تعالى، أو ضمير يعود على غيره تعالى.
الآية الثانية التي وردت فيها صيغة (ألم يهد) قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لأُولِي النُّهَى}(طه/ ١٢٨) .
همزة الاستفهام في (أفلم يهد لهم) في آيتها الثانية للإنكار والتوبيخ كما في الآية الأولى: