ينكر الله سبحانه وتعالى على أن المشركين من أهل مكة وغيرهم ويوبخهم أن لم يبيّن لهم ويعظهم كثرة من أهلكهم من الأمم قبلهم بسبب كفرهم وتكذيبهم الرسل، مع أنهم يمشون في مساكن أولئك المهلكين وهم مسافرون إلى الشام وغيرها، ويتقلبون في بلادهم، ويشاهدون آثار العذاب الذي نزل بهم..
وقد اختلفت الآراء أيضا في فاعل يهد في هذه الآية.
يقول أحدها: إن الفاعل ضمير اسم الله تعالى، أي ألم يبيّن الله لهم.
ويقول رأي ثان: إن الفاعل مصدر مأخوذ من أهلكنا بدون سابك، رعاية لما يقتضيه المعنى، والتقدير أفلم يهد لهم إهلاكُنا.
ويقول رأي ثالث: إن الفاعل مقدر، تقديره الهدى.
ويقول رأي رابع: إن الفاعل هو الجملة بعده، أي جملة كم أهلكنا قبلهم من القرون.
وأنا أميل إلى هذا الرأي الرابع، وهو رأي كوفي يجوّز وقوع الجملة مسندا إليها في الصورة وظاهر اللفظ، مع تأويلها بمفرد يدلّ عليه المعنى [٥] .
ويعجبني قول ابن مالك في شرح التسهيل:"وفي قوله تعالى {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا} إنه على تأويل أو لم يهد لهم كثرةُ إهلاكنا، وجاز الإسناد في هذا الباب باعتبار التأويل، كما جاز في باب المبتدأ نحو {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} اهـ قول ابن مالك [٦] .
وقول ابن مالك هذا يشعر (كما قال القاسمي) بأن الفاعل الجملة لتأويلها بالمفرد.
وقد فسر ابن كثير قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}(السجدة/ ٢٦) فسره بقوله "يقول تعالى أولم يهد لهؤلاء المكذبين ما أهلك الله من الأمم الماضية" اهـ[٧] ويبدو من هذا التفسير أن فاعل (يهد) هو جملة كم أهلكنا ولكن باعتبار معناها ومضمونها.