وإذن كان على المدرس أن يشحذ فيه الطاقة الكامنة التي اكتسبها من خلال تلك القراءة الوافرة، ليس بإلقاء المعلومات القديمة أو الجديدة عليه، فبإمكان القراءة أن تغنيه إلى حد شبه تام عن ذلك كله، ولكن بطريقة تفجير الفكرة تلو الفكرة في رأس الطالب، ومساعدته على تخليقها وبلورتها ثم تنظيم هذه الأفكار ووضعها- عن طريق الطالب نفسه- في السياق المنهجي الذي ينتظمها جميعاً.
فمن المهم لأستاذ الدراسات العليا- وهو غالباً ما يدرِّس طلاب الدراسات الجامعية الدنيا في الوقت نفسه- أن لا يقدم لطلابه من خلال المواد التي يدَرِّسها المعلومات نفسها التي سبق للطالب أن تلقاها- جزئياً أو كليا- في دراساته الجامعية الأولى، بل من المهم أن لا تكون محاضرته مجرد محاضرة في المعلومات "محاضرة إعلامية"إذ من السهل على الطالب أن يعود إلى هذه المعلومات حيث يحيله المدرس إليها، وإذا كان من معلومات جديدة لدى المدرس ما لا تتوفر في الكتب. فبإمكانه أن يخرجها في أملية يضعها بين يدي طلبته، ولكن الأهم من ذلك كله أن يعمل أستاذ الدراسات العليا على صياغة محاضراته بشكل يستطيع معه تغذية ملكة البحث والتفكير لدى الطالب، فيحاول أن يستنبط مادة المحاضرة من ألسنة طلابه بعد أن يطرح عليهم موضوعه، وتكون طريقة طرح هذا الموضوع قادرة على تفجير الأفكار في نفوسهم. وقدح زناد ملكتهم التفكيرية والإبداعية، ثم إذا ما انتهى من "نتح"ما عندهم حول هذا المحور الذي طرحه، انصرف وإياهم إلى "منهجة "أفكارهم ومناقشتها، ثم ترتيبها وتبويبها تبويبا منهجيا منطقياً بحيث يمكن أن تكون عناصرها في النهاية عناصر لموضوع أو بحث أدبي صغير هو جماع المحاضرة في الحقيقة.