للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الغاية الأساسية لأستاذ الدراسات العليا هي بذلك تلقين طلابه- من خلال محاضراته- تلقيناً عملياً تطبيقياً، ما أمكن، أصول "المنهجية"وطرائق التفكير العلمي الموضوعي، وكذلك التعبير بدقة وموضوعية عن أفكارهم التي تعتمل في أذهنتهم دون أن يجدوا القدرة في كثير من الأحيان، على إخراجها إلى حيز الوجود في الشكل اللغوي الصحيح وفي البناء المنطقي السليم، مما لا يمكن أن يحصل عليه هؤلاء الطلاب من المكتبة أو غيرها بمفردهم.

و"المحاضرة الإعلامية " توازي في كثير من بحوثنا الأدبية المعاصرة "التأليف الوصفي"أو "التاريخي"في دراسة الأدب، وهي بحوث يعفي المؤلف نفسه فيها من أي إبداع أو كشف جديد، فينصرف إلى صياغة الواقع التاريخي للأدب- ماضياً أو حاضراً- صياغة وصفية أفقية، فيها من الزخرف الإنشائي - أحياناً- أكثر مما فيها من الفكر والإبداع. ولعل كثرة هذه البحوث التاريخية- الإنشائية كانت وراء التقسيم المفتعل الذي فرض على مادة الأدب في معظم الجامعات العربية، فجعلها في مادتين: واحدة في تاريخ الأدب، وأخرى في نصوصه، مما شجع الاتجاه التاريخي أو "الإعلامي"لدى كثير من أساتذة الأدب في محاضراتهم الجامعية، سواء على مستوى الدراسات الجامعية الدنيا أو على مستوى الدراسات العليا، فرأينا كثيراً من المحاضرات في مادة الأدب تسرد على الطلاب تاريخ أدبهم سرداً أجوف تغني الطالب عنه عشرات من الكتب التي تؤرّخ لهذا الأدب، فيستعيض بها أو ببعضها عن مدرسه الذي يتجشّم عناء السرد عليه ومشقة المحاضرة فيه.

إن تجاوزنا لمرحلة الدراسة الوصفية أو التاريخية للأدب تدفعنا إلى تجاوز هذا التقسيم المفتعل لمادة الأدب من ناحية، وإلى تجاوز "المحاضرة الإعلامية"- حتى على مستوى الدراسات الدنيا- من ناحية أخرى.