والطرائق لتجاوز الأسلوب "الإعلامي" كثيرة، لعل أبرزها وأقربها متناولاً طريقة طرح الأسئلة المحيطة بالموضوع الذي يريد المدرّس أن يحاضر فيه. ولطريقة طرح الأسئلة هي أيضاً طرائق متعددة، فهناك السؤال الجزئي، والسؤال الكليّ، والسؤال المباشرة والسؤال غير المباشر، والسؤال المفرد، والسؤال المزدوج. وهذا النوع الأخير من الأسئلة- الأسئلة المزدوجة- هو الذي تبنّيناه في تدريس هذه المادة، ومن ثم في صياغة هذا البحث، وهو الذي نراه أكثر مقدرة على تفجير طاقة الطالب الكامنة، لأنه يقوم على قطبين: سالب وموجب - إذا استعملنا لغة الفيزيائيين- يمكن بالتقائهما أو تصادمهما أن يثيرا الشرارة الغنيّة التي نسعى للحصول عليها من ذهن الطالب.
وهكذا لم أشأ أن ألقي درساً إعلامياً على طلابي في منهج البحث، الصحفي، أو العلمي، أو التاريخي، أو اللغوي، أو الأدبي، بل كنت أضع الطلبة في كل محاضرة أمام سؤال مزدوج يشدّ عقولهم باستمرار إلى محور الموضوع الأساسي للمحاضرة، ويدفعهم إلى أن يعطوا من بنات أفكارهم أكثر مما كانوا يتوقعون، مهما كان ظنهم بأنفسهم حسناً. وهكذا بدأت معهم محاضراتي بإلقاء هذا السؤال عليهم:
- ما الفرق بين الصحفي والباحث؟.
وتتالت أجوبتهم الذكية- غالباً- بعد أن قدح السؤال المزدوج زناد أفكارهم: إن على أذهانهم الآن- تبعاً لطبيعة السؤال- أن تبحث، في وقت واحد، عن حقيقة الصحفي، وعن حقيقة الباحث، ثم أن توجد المعادلة إثر المعادلة في إيضاح الفروق الأساسية بينهما، ثم أن تبحث عن صياغة مقبولة سليمة لهذه المعادلات يمكن أن تعبر بدقة عن المطلوب منهم: الفرق بين الطرفين.