للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تجمع أمامنا عناصر عديدة تكاد تستقصي الفروق بعين هذين الطرفين- ومعظمها من صنع الطلاب أنفسهم- نعود إلى دراستها عنصراً عنصراً: من الناحية الفكرية، والتعبيرية، والمنهجية، فنحذف منها ما أغنى عنه غيره، ونعدّل منها ما استدعت موضوعية الفكرة أو دقتها تعديله، ونعيد صياغة ما قصرّت لغته عن الوفاء بالمعنى المقصود بدقة، ويجري هذا كله على أيدي الطلبة أنفسهم- مع المساعدة الضرورية من المدرس أحياناً- ونفصّل خلال ذلك، الحديث عن هذه العناصر، دارسين جوانب كل عنصر منها على حدة، وملمين عبر هذا التفصيل بشوارد العنصر وروافده.

وتأتي الخطوة الأخيرة، في إعادة ترتيب العناصر التي توصل إليها الجميع، من قبل الجميع أيضاً، ترتيباً منهجياً يراعي تسلسل الأفكار واطرادها، متصورين أن هذه العناصر ما هي إلا عناوين فقرات في موضوع أو فصول في كتاب، فإذا ما توصّلنا إلى ترتيبها على هذا الشكل كان أمامنا مخطط كامل لموضوع أو بحث.

ثم لا تلبث المحاضرات التالية أن تضع الطلاب أمام أسئلة أكثر دقة، ومن ثم تكون الإجابة عليها أكثر صعوبة، وأشدّ إثارة للفكر، وتفجيرا للطاقة، فكلّما قلّت المسافة بعين قطبي المعادلة ازدادت صعوبة تحديد الفروق بينهما، وفي الوقت نفسه ازداد العمق الفكري للمحاضرة، وازدادت إجابات الطلاب دقة وتركيزاً. وهكذا يجد الطلاب أنفسهم في المحاضرة التالية أمام هذا السؤال:

- ما الفرق بين الباحث العلمي والباحث الإنساني؟

فيدخل بهم السؤال الجديد عالما أكثر ضيقا: عالم الباحثين وحدهم، فإذا كان الفرق بين الباحث وغير الباحث كبيرا وواضحا، فهو بين الباحث والباحث دقيق وأقل وضوحا. ولكن أن يكون الطرف الأول من المعادلة هو (الباحث العلمي) والطرف الثاني هو (الباحث الإنساني) - وبينهما مسافة لا يخفى امتدادها- يجعل الانتقالة بين السؤالين، الأول والثاني، انتقالة بسيطة ميسورة.