وبما أننا نريد أن نعالج الأمر من الناحية اللسانية، فمن الأفضل أن نبقى ضمن مناهجها وطرقها العلمية، وأن نبين اهتماماتها. ونعتقد أن هذه هي الوسيلة المثلى لرد أقوال أولئك الذين لم ينظروا إلى اللغة إلا من خلال أفكار إن صلحت في فترة من الفترات لطمس الحقائق العلمية، فهي لا تصلح أن تكون علماً يدرس ويستفاد منه في تعميق وتثبيت الأطر المنهجية التي تتبناها اللسانية في أبحاثها:
١- إن الدراسات اللسانية تهدف إلى بناء أسس نظرية تنطبق على جميع اللغات.
وتنقسم هذه الأسس قسمين:
- أما القسم الأول فإن الاتجاه فيه يقوم على تزويد المنهج التحليلي بالأدوات اللازمة لاستخراج القواعد المكررة ضمن الكلام الإنساني، وذلك لدراسة الفوارق التي تميزها عن غيرها من القواعد التي تبنى عليها وسائل التعبير والاتصال الأخرى عند الإنسان، كالموسيقى وإشارات المرور، أو الموجودة عند الحيوان كرقصات النحل مثلاً.
- أما القسم الثاني فالاتجاه فيه يهدف إلى شرح نص من النصوص مع افتراض عدة طرق تأويلية له.
إذا كانت كل اللغات الإنسانية تنطبق على هذه الأسس، لا لشيء إلا لأنها وسائل اتصال مرتبطة بنشاط البشر في حياتهم اليومية والفكرية، فلا يجوز أن ينظر إلى العربية أو إلى غيرها إلا بهذا المنظار.
٢- عندما تعمد اللسانية إلى دراسة لغة من اللغات، فإنها تدرسها لذاتها، وتغض الطرف عن الاعتبارات الفلسفية والسياسية والمذهبية والطائفية، ذلك لأنها علم والعلم منهج، وبالإضافة إلى أنه مجرد من هذه النزعات فهو موضوعي.
يجب أن لا تكون الدراسات اللغوية موطن صراعات إيديولوجية. فاللغة- كحد أدنى من التعريف- أداة. ومن شأن الأدوات أن لا تفكر، ولكن تستخدم وتستعمل.