إن مفهوم قومية اللغة- في رأينا- مفهوم خاطئ تماماً. فاللغة ككل أداة تمتاز بخصال ثلاث:
١- اللغة هي حصيلة لتجربة إنسانية عاشها الأفراد ضمن جماعة وليست حصيلة لتجربة قومية بالمعنى الحديث لهذا المصطلح.
٢- اللغة كتجربة لا تختلف عن باقي التجارب، يشارك فيها المجتمع الذي يتكلمها بشكل مباشر، وتشارك فيها الإنسانية جمعاء بشكل غير مباشر.
٢- إذا كانت اللغات كلها إنسانية، فهي ملك لمن يتكلمها لا ملك لقوم بالذات. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم:"من تكلم العربية فهو عربي"[٤] .
يدرس اللسان في اللغة مجموع الرموز الصوتية والبنى القواعدية، ويعني بدراسة المعاني، وهذا هو موضوع اللسانية، وإذا كنا نلح على هذه الناحية فلأن اللسانية تريد أن تكون علماً أولاً وأخيراً. أما إذا تدخلت الأهواء القومية، والنزعات المذهبية، فإن العلم- مهما كان نوعه- يفقد أهم خصائصه الموضوعية، ونعني التجرد والبحث الدقيق للوقوف على القوانين التي يسير بموجبها الأحياء والأشياء. ولو نظرنا في تاريخ الفكر الإنساني لوجدنا أن هذه الأهواء وهذه النزعات قد اتخذت طريقها- في بعض الأحيان- ضمن البحث اللغوي حتى كادت أن تودي بمفاهيمه العلمية الأصيلة. ونستطيع أن نضرب مثلاً بأحد أعلام الفكر الغربي من المتعصبين لنرى بعد ما يقوله عن التجرد والبحث الدقيق والحقائق العلمية، يقول "ديورو"الفرنسي في حديث عن لغته وعن باقي اللغات ما يلي:
"إن الحكمة تقضي باختيار الفرنسية لغة. ويجب استعمال الفرنسية في المجتمعات الراقية، والمدارس الفلسفية. وإن لغتنا ستكون لغة الحقيقة إذا قدر لها أن تعود إلى الأرض، على حين أن اليونانية واللاتينية واللغات الأخرى ستكون لغات الخرافة والكذب.