ما الإيمان؟ إن أكثر الناس أو كلهم يدعونه، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} . وأكثر المؤمنين إنما عندهم إيمان مجمل، وأما الإيمان المفصل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة وعلما، وإقرارا ومحبةً ومعرفة بضده وكراهيته وبغضه، فهذا إيمان خواص الأمة وخاصة الرسول، وهو إيمان الصديق وحزبه. وكثير من الناس حظهم من الإيمان الإقرار بوجود الصانع وأنه وحده هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وهذا لم يكن ينكره عباد الأصنام من قريش ونحوهم. وآخرون الإيمان عندهم هو التكلم بالشهادتين. سواء كان معه عمل أو لم يكن. وسواء رافق تصديق القلب أو خالفه. وآخرون عندهم الإيمان مجرد تصديق القلب بأن الله سبحانه خالق السماوات والأرض. وأن محمدا عبده ورسوله. وإن لم يقر بلسانه ولم يعمل شيئا، بل ولو سب الله ورسوبه وأتى بكل عظيمة وهو يعتقد وحدانية الله ونبوة رسوله؛ فهو مؤمن. وآخرون عندهم الإيمان هو جحد صفات الرب تعالى من علوه على عرشه، وتكلمه بكلماته وكتبه، وسمعه وبصره ومشيئته. وقدرته وإرادته. وحبه وبغضه، وغير ذلك، مما وصف به نفسه ووصفه به رسوله: فالإيمان عندهم إنكار حقائق ذلك كله وجحده، والوقوف مع ما تقتضيه آراء المنهوكين وأفكار المخرصين، الذين يرد بعضهم على بعض وينقض بعضهم قول بعض، الذين هم كما قال عمر ابن الخطاب، والإمام أحمد:(مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مفارقة الكتاب) وآخرون عندهم الإيمان عبادة الله بحكم أذواقهم ومواجيدهم وما تهواه نفوسهم من غير تقييد بما جاء به الرسول. وآخرون الإيمان عندهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلافهم، بحكم الاتفاق كائنا ما كان. بل إيمانهم مبني على مقدمتين: إحداهما أن هذا قول أسلافنا وآبائنا، والثانية أن ما قالوه فهو الحق. وآخرون عندهم الإيمان مكارم الأخلاق، وحسن المعاملة، وطلاقة الوجه. وإحسان الظن بكل أحد، وتخلية الناس وغفلاتهم. وآخرون