ولننظر لقصة عمرو بن الجموح سيد قومه مع صنمه الذي كان يعبده، ويطلب منه أن يدفع عن نفسه الشر إن كان فيه خيراً بعد أن يقدم له السلاح. وكان من خبره أن له صنماً في داره اتخذه من خشب سماه مناة كما كانت الأشراف يصنعون تتخذ إلهاً تعظمه وتطهره، فكان يطيب صنمه هذا وينظفه. فلما أسلم فتيان بني سلمة معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح في فتيان منهم، ممن أسلم وشهد العقبة، كانوا يَدْلجون بالليل على صنم عمرو فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عذر الناس منكساً على رأسه، فيلتمسه فيرى ما صنع به، فيغسله ويطيبه، ثم يقول: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه. فإذا نام وأمسى عمرو، عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك، فيغدوا فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى. فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلباً ميتاً فقرنوه به بحبل. ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عذر من عذر الناس ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكساً مقروناً بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من رجال قومه، فأسلم وحسن إسلامه.
فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف وهو يذكر صنمه ذلك ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة: