للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أ- لقد عرفنا فيما تقدم أن الغالب في خبر (عسى) أن يقترن بأنْ المصدرية؛ لأنها من أفعال الترجي، وقد أوجب جمهور البصريين اقتران خبرها بأن، وقالوا: إن خبرها لا يجرد منها إلا لضرورة، وحينئذ يخرج خبرها من مجيئه مقترنا بأن إلى مجيئه مجردا من أن، مقترضا هذا الحكم من (كاد) التي يغلب على خبرها أن يكون مجردا من (أن) ، قال هدبة بن خشرم:

يكون وراءه فرج قريب

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

ب- أما (كاد) فخبرها يأتي مجردا من أن؛ لأن المنقول عن فصحاء العرب إيقاع أن بعد عسى وإلغاؤها بعد كاد، والعلة فيه: أن كاد وضعت مقاربة الفعل ولهذا قالوا: كاد النعام يطير، لوجود جزء من الطيران فيه، وأن وضعت لتدل على تراخي الفعل ووقوعه في الزمان المستقبل، فإذا وقعت بعد كاد نافت معناها الدال على اقتراب الفعل، وحصل في الكلام ضرب من التناقض.

وليس كذلك (عسى) لأنها وضعت للتوقيع الذي يدل على وضع (أن) على مثله، فوقوع (أن) بعدها يفيد تأكيد المعنى ويزيده فضل تحقيق وقوة، وقد نطقت العرب بعدة أمثال جاء فيها خبر (كاد) مجردا من (أن) على الأصل فقالوا: كاد العروس يكون ملكا، وكاد المنتقل يكون راكبا، وكاد الحريص يكون عبدا، وكاد البيان يكون سحرا، وكاد النعام يكون طيرا، وكاد البخيل يكون كلبا، ومن القرآن الكريم قوله تعالى: {يكاد زيتها يضيء} (النور: ٣٥) .

وقد يخرج خبر (كاد) عن الأصل فيأتي مقترنا بأن مقترضا هذا الحكم من (عسى) ، ومن أمثلة هذا النوع:

قوله صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفرا" (١) ، وقول عمر رضي الله عنه:) وما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب) ، وقول أنس رضي الله عنه: (فما كدنا أن نصل إلى منازلنا) ، وقول جبير بن مطعم رضي الله عنه: (ثم رفع رأسه فلم يكد أن يسجد ثم سجد فلم يكد أن يرفع رأسه) .

ومن النظم قول الشاعر:

لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السِّلّ

أبيتم قبول السِّلم منا فكدتم