الاستفهام في قوله تعالى:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} استفهام تقرير، وقد تقدم في الرسالة الأولى من هذه الرسائل أن استفهام التقرير يأتي على معنيين: على معنى الإخبار كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، أو على معنى طلب الاعتراف بما تضمنه السؤال نفيا أو إثباتا كما في قوله تعالى: لعيسى بن مريم: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
وأرى أن الاستفهام هنا في قوله تعالى:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} للتقرير بمعنى طلب الاعتراف، وجواب إبراهيم عليه السلام بقوله:(بلى) أي قد آمنت اعتراف بما تضمنه السؤال على وجه الإثبات والإيجاب.
قد تسألين وتقولين: الله سبحانه وتعالى يعلم أن إبراهيم عليه السلام أثبت الناس إيمانا وأقواهم يقينا، ويعلم أيضا جواب إبراهيم من قبل أن يجيب إبراهيم، فما الفائدة إذن من هذا السؤال؟
الفائدة من هذا السؤال حمل إبراهيم على أن يجيب بما أجاب به فيكون ذلك إقرارا بأن سؤال:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ليس ناشئا من نقص في إيمانه أو شك في قدرته تعالى على إحياء الموتى، وإنما ليعلم السامعون أن غرضه من السؤال أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وأن يطمئن قلبه عيانا كما اطمأن قلبه برهانا، أو بعبارة أخرى ليضم إلى علمه الناشئ من البرهان والاستدلال علما آخر ناشئا من الحس والمشاهدة.