قد تقولين: فهمت من الآية أن إبراهيم قد آمن بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ولكنه سأل ربه كيفية الإحياء ليطمئن قلبه ويسكن، ترى ماذا كان في قلب إبراهيم قبل أن يطمئن ويسكن؟
لم يكن في قلبه شك ولا تردد كما يبدر إلى أذهان بعض الناس، ولكن كان في قلبه قلق واضطراب من جراء تطلعه الملحّ وتشوقه الشديد إلى مشاهدة كيفية الإحياء، فحين رآها اطمأن قلبه وسكن.
وهذا شيء قد فطرت عليه النفس البشرية، فإنها إذا تطلعت إلى شيء تطلعا ملحّا ورغبت فيه رغبة شديدة لت في قلق واضطراب حتى تنال ما تصبو إليه، فإذا نالته اطمأنت وسكنت.
أختي (هل) :
أحب أن أخبرك أن أبا حيان الأندلسي قد رأى في تفسيره البحر المحيط (ج٢ ص٢٩٨) : أن الاستفهام في قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} للتقرير بمعنى الإخبار على حد {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وعلى هذا يكون معنى {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قد آمنت.
ورأى أيضا أن (بلى) التي تقع جوابا للنفي لا جوابا للإثبات قد وقعت جوابا لهذا الاستفهام بالنظر إلى لفظه الدال على النفي لا بالنظر إلى معناه الدال على الإثبات.
وقال أيضا: إن هذا جائز قد تقرر في النحو، ويؤيده أن في كلام العرب ما يلحظ فيه اللفظ دون المعنى.
ورأي أن إجابة إبراهيم عليه السلام بقوله:(بلى) قرينة على أن هذا الاستفهام لطلب الاعتراف وليس للإخبار.
وقول أبي حيان إن (بلى) كانت جوابا للاستفهام باعتبار لفظه لا باعتبار معناه خلاف المتبادر وتكلف لا داعي إليه.