روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر، فقال عمرو: مانع لحوزته مطاع في عشيرته، فقال الزبرقان: أما إنه قد علم أكثر مما قال، لكنه حسدني شرفي، فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فوالله ما علمته إلا ضيق العَطَن، زَمِن المروءة، لئيم الخال، حديث الغِنى، فلما رأى الإنكار في عيني الرسول بعد أن خالف قوله الآخر قوله الأول، قال: يا رسول الله! رضيتُ فقلت أحسن ما علمت، وغضبت فقلت أقبح ما علمتُ، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان سحرا، وإن من الشعر لحكمة".
وقد انطلق حكم الرسول الكريم هذا على قول عمرو بن الأهتم لما يحويه هذا القول من أسلوب جميل وأداء رائع، يأسر النفس ويفعل بها فعل السحر، ولما فيه من حكمة ومعنى حسن.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسن قول طرفة بن العبد ويتمثل به، وهو قوله:
ستُبدي الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّد [١١]
وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في دية الجنين بغُرّة [١٢] ، فقال أحدهم: يا رسول الله! أأدي [١٣] من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يُطل [١٤] ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جانبا، واتجه إلى المتكلم، فأنكر عليه أسلوبه ومنطقه، وقال له:"أسجعا كسجع الكهان"؟!.
وما أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول إلا لأن صاحبه آثر السجع المتكلف وابتعد عن سهولة الأسلوب وسلاسته، وانطلاقا من مبدأ السلامة في التعبير والسلاسة في القول، والبعد عن التكلف والغلو والتشدق، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون [١٥] ، المتشدقون [١٦] ، المتفيهقون [١٧] "، ويقول:"إياكم والتشادق"، ويقول:"إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها".