للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما يلاحظ - أيضا - من نقد الرسول الكريم استعمال المصطلحات النقدية؛ فلأول مرة تستعمل في محيط النقد الأدبي ألفاظ تتصل بهذا الفن، لتدل على سير هذا الفن خطوات إلى الأمام، فاستعمل لأول مرة لفظ (البيان) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا"، ولفظ البلاغة مشتقا منه لفظ (البليغ) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها" [١٩] ، والرسول يعني بالبليغ: الذي يتقن الصنعة بقصد تزوير القول.

ونظرة إلى الأحكام النقدية التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشعر والشعراء نرى أنها أحكام اتسمت بالعموم والإيجاز، كإعجابه بقول لبيد، وطربه لشعر النابغة الجعدي، واستحسانه لبيان عمرو بن الأهتم، وتعديله للمعاني التي أتى بها كل من كعب بن زهير، وكعب بن مالك، من تلك النقدات التي عرضناها من قبل.

كما يلاحظ القارئ أنها أحكام اتسمت بالجزئية، فنقده صلى الله عليه وسلم كان متجها إلى اللفظ أو المعنى دون غيرهما من الجوانب النقدية الأخرى، فإعجابه بقول لبيد كان متجها للمعنى، فالمعنى عند لبيد جميل وشريف لانسجامه مع الروح الإسلامية، وكذلك طربه لمعنى النابغة يجري مع غاية ما يطمح إليه المؤمن، حينما جعل نهاية مطمحه الجنة.

واستحسان الرسول لبيان عمرو بن الأهتم في قوله عن الزبرقان بن بدر راجع إلى ما يحويه من رائع اللفظ وحسن البيان، وتعديله لشعر كعب بن زهير وشعر كعب بن مالك منصرف إلى المعنى، حيث وجههما الرسول إلى ما ينبغي أن يكون عليه المعنى من تلاق مع الروح الإسلامية، فسيوف الله أكثر اتساقا مع روح الإسلام من سيوف الهند، والمجالدة عن الدين أحسن وأفضل من المجالدة عن الأصل والنسب.