ويصف لقاء صلاح الدين الأعداء ونصر الله له , فقد أمكنه من تقتيلهم وأسر بعضهم , والاستيلاء على أسلحتهم , ففي هذه المعركة أصابت سيوف المسلمين التفلق , والرماح تكسرت , وانطلقت السهام من أقواسها لتنهش فرسان المشركين وشجعانهم.
وأسر ملكهم ومعه صليب الصلبوت , الذي كانوا يقاتلون تحته أصلب قتال وأصدقه , ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه. وكذلك أسر المسلمون ساداتهم , ولم يفلت منهم إلا القومص بحيلته ومكره , ولكن أدركته المنية بعد أيام من هربه.
ثم يلي هذا اللقاء الذي انكسرت فيه شوكة الأعداء , أن تسقط البلاد في يد السلطان صلاح الدين بلدا بلدا , ويرتفع الراية العباسية خفاقة عالية , وتبدل المذابح منائر والكنائس مساجد.
ويبقى القدس وقد اجتمع منهم وبعيد , وظنوا أنها من الله مانعتهم , وأن كنيستها إلى الله شافعتهم.
وبالرغم من استماتة الأعداء في القتال وتكاثرهم , واتخاذهم الأسوار المنيعة والأبرجة المنيفة , والودية العميقة , والأماكن الوعرة الحصينة , فقد نفذ السلطان برجاله إليهم , وأحاط بهم , فأخذوا يراسلونه بقصد مراوضته حتى تصلهم النجدة , ولكنه كشف حيلتهم , وأنزل الهزيمة الساحقة بهم , إذ أخذت المنجنيقات تضرب في جوانب السور , كما انطلقت سهامها تتخلل شرفاته كما يتخلل السواك ثنايا الفم , وكان المنجنيق في أثناء ذلك كله يعلو في السماء حينا , وينخفض إلى الأرض حينا كأنه النسر , واستطاع المنجنيق كذلك أن يشق فتحات الأبراج التي تتخلل السوار جميعها من الناس , كما خلا ميدان القتال نفسه من الجند , أما النقابون فقد استطاعوا أن يكشفوا النقاب عن هذه الحرب الزبون , يدكوا هذه الحصون حنى عادت سيرتها الأولى من الطوب والحجارة , ثم عاد المنجنيق إلى تلك الصخور التي أمامه بمعوله طحنا , وما زال يضربها ضربا حتى لم يعد لها أثر.