هذه الرسالة لم تصلنا كاملة , وهذه القطعة التي بين أيدينا جاء في نهايتها دعاء للقاضي الفاضل بأن تكون موقعة القدس الفاصلة في المعارك الدائرة بين المسلمين والصليبيين , وأن يستريح النفوس بهذا النصر.
ويرسل السلطان صلاح الدين في سنة ٥٨٣ هـ = ١١٨٨ م رسالى إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله يبشره بهذا الانتصار الرائع.
وهذه الرسالة تعد أهم الرسائل الديوانية في عصر الدولة الأيوبية , لأنها تحمل البشرى إلى الخليفة العباسي بفتح القدس , الذي كان لفتحه رنة فرح في العالم الإسلامي كله.
ولفتت هذه الرسالة نظر الباحثين في العصر الحديث , فاستشهدوا بها في كتاباتهم عن العصر الأيوبي , وعن أساليب الكتابة فيه , فمنهم الدكتور شوقي ضيف الذي يصف هذه الرسالة بأنها أروع أثر أدبي عنى القاضي الفاضل به وبتدبيجه [٣٠] . ومنهم الدكتور عبد اللطيف حمزة الذي تناول موضوع الرسالة بالتفصيل وركز تحليله بأنها تشتمل على وصف الحرب وآلاته وخاصة المنجنيقات , ثم ما ترتب عن هذه الموقعة من آثار , كما أنه اهتم بإظهار الصور البلاغية فيها [٣١] , وكذلك ركز الأستاذ أنيس المقدسي على شرح أسلوب القاضي الفاضل من الناحية البلاغية [٣٢] .
يصف القاضي الفاضل العدو في هذه الرسالة بأنه في خوف وفزع , وسلاحه أصبح بلا جدوى , سيفه كالعصا , وصرعت عدده وكان الأكثر عددا وحصى , وكلت حملاته , وعثرت قدمه , والقاضي الفاضل يشخص ضعف أسلحته , فالسيف قد نام جفنه , والرماح جدعت أنوفها , فتطهرت الأرض المقدسة من رجسهم , وأصبحت بيوت المشركين متهدمة , وأصبحت نيوبهم متكسرة , وقد أجمعت جيوشهم على تسليم البلاد , وأذعنوا لكل ما طمع المسلمون فيه من شروط , فلم تنجهم سيوفهم , ولا وسعتهم دورهم وأفنيتهم , وضربت عليهم الذلة والمسكنة.