٢-في الشعر الجاهلي ألوان مختلفة باختلاف مؤثراته الطبيعية والاجتماعية , بعضها يمثل وضعا خاصا , وبعضها يمثل روحا عاما , وإذا كان للقارئ المثقف الحق في دراسة هذا وذاك , فللطالب ظروفه الخاصة التي تتطلب دراسة فكرية موجهة ترتكز على روح أمته العامة , بصرف النظر عن كل شذوذ عارض. وعلى هذا يكون من الشطط طرح هاتيك النماذج الإباحية من شعر طرفة وامرئ القيس على عوانها بين أيدي الطلاب , على حين أن الواجب يقتضي الاقتصار على النواحي النبيلة من شعرهما , تلك النواحي التي هي أشد تماساً بحياة العرب وتمثيلاً لروحهم.
وفي كتاب السنة الأولى أشياء من تلك التوافه بالدنيا عن أن تكون (سيكارة وكاس) ولا جرم أن الجماعة العربية أحوج ما تكون إلى الإيمان بأن في الحياة مُثُلا أسمى من هذه السخائف. إن هناك العزة والحرية والوفاء والإيثار و ... و ... ومثل هذه المُثُل هي نقاط الانطلاق حتى في نفس طرفة وامرئ القيس , فلينصبّ التوجيه على هذا الروح الأصل الجميل.
٣- مثل هذا تماماً يقال في ابن أبي ربيعة , فمن الجريمة في حق هذه الأمة أن يُعد شعره الفاجر صورة حقة لحياو مكة ومدن الحجاز الأخرى في صدر الإسلام , صورة تجعل من بيت الله الحرام مباءة للداعرين والماجنين , وتجعل من فتيات المسلمين كرقيعات هوليود وباريس , وهن اللواتي يقول فيهن الشاعر:
بيض كواعب ما هممن بريبة
كظباء مكة صيدهن حرام
وإذا كان ضروريا دراسة بعض شعره لإعطاء مثل عن تطور أساليب الغزل فليكن ذلك في مختارات أقرب إلى الذوق وإلى الحق وإلى الغاية العليا , وإلا فليطرد هذا الفاجر من المناهج الثانوي كما طرد أبو نواس من قبله , وليس ابن أبي ربيعة خيراً من أبي نواس.