للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسلوب المعجز في الآيات: عندما عجز علماء البلاغة عن الإحاطة بأسرار الأعجاز في كلام الله اضطروا إلى القول بأنه كلام لا كالكلام. فإذا كان كلام البشر يدور بين الشعر والنثر فالقرآن ليس من الشعر، وإن كان فيه الكثير من خصائصه في أكمل حالاتها كعذوبة الجرس. ورشاقة العبارة، والتصوير المجسم لأدق المعاني.. وليس من النثر، وإن شاركه في أخص عناصره، كالانطلاق، وتحديد المدلول. والتوافق بين الفكر واللفظ.. وسلوك الأساليب المختلفة من السجع إلى الإرسال، إلى تقصير الفقرات أو تطويلها حسب المناسبة، وكاستخدام المثل والقصة والتمثيل وما إلى ذلك من فنون القول ... وإذن فهو قسم خاص من الكلام قائم بذاته وبخصائصه التي يسمو بها على كل ضروب الأدب ومن هنا جاء قولهم: الكلام ثلاث أقسام نثر وشعر وقرآن. وأقرب تعبير عن هذا السر المعجز هو القول بأن طراز البلاغة في كل كلام إنما يمثل عبقرية منشئها وخصائصه الفكرية والنفسية والثقافية. وإنما يتفاوت البلغاء في نطاق هذه الخصائص قوة وضعفاً. وانخفاضاً وارتفاعاً، لأنهم بصياغتهم فنية إنما يمثلون صفاتهم المنبثقة من هذه الخصائص. ونحن عند ما نميز بين أسلوب إنسان وأسلوب آخر إنما نميز في الحقيقة بين صفة هذا وصفة ذاك. تماماًَ كما قرر نقاد الغرب عندما زعموا: أن الأسلوب هو الإنسان، يريدون أنه صفته المميزة له. وعلى هذا المقياس نستطيع القول إن امتياز كلام الرب تبارك وتعالى إنما جاء من كونه صفته المعبرة عن علمه وكمالاته اللائقة بجلاله. فلا سبيل إلى المقارنة بين كلامه وكلام مخلوق مهما تبلغ بلاغته من الارتفاع. لأنه لا سبيل إلى المقارنة بين علم الرب المحيط بكل شيء، وعلم العبد الذي لا يرى من الشيء إلا الجزء الذي يواجهه.. ومن طبيعة هذا الفرق أن الإنسان يتراوح بين السمو والهبوط وفق قدرته المحدودة في تتبع الوقائع، واستنباط الأسرار، فيصيب ويخطئ. ويتعمق الشيء آناً فيقول ما يتفق مع