للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقته، ويغم عليه السر آنًا فيتخبط في أحكامه. وبذلك يتعرض للإحسان والإساءة على حين يأتي كلام الخالق صورة الحق الخالص الثابت على مرّ الأحوال وتغير الأزمان، لكل حرف فيه مدلوله اليقيني الذي لا يقبل التبديل، كمثل العضو من الجسم الحي له مكانه ووظيفته، التي لا سبيل لتحقيقها إلا عن طريق ذلك الوضع المخصوص..

وإذن فالإعجاز في الكلام الإلهي قائم في المعنى والمبني معاً.. فمعاني الآيات كما رأيت تمثل أسمى ما يتصوره العقل البشري من كمال التنظيم التربوي. الذي عجز عن مثله مفكروا القديم والحديث. لأنه حقائق منسجمة مع الفطرة التي لا تبديل لها على الأحداث والبيئات.

والأعجاز متمثل كذلك في نظم الآيات من حيث الألفاظ والتعابير. وتساوق الفقرات في فواصلها ونهاياتها.. فتقسيم الكلام إلى آيات يوجه القارئ إلى التوقف على أواخرها. ويساعده على التغني بها وهى بعض مميزات التنزيل التي لا تجد مثلها في كلام الجاهليين ولا الإسلاميين، حتى في أسلوب المقامات القائمة على تقسيم الكلام إلا فقرات مسجوعة كقوافي الشعر تشعر عند مقارنتها بآيات القرآن العظيم أنها تكاد تفقد كل أثر للجمال. إذ تبدو سجعاتها متكلفة قد سخرت لها المعاني. واجتلبت لها الألفاظ بدافع الرغبة في الهندسة اللفظية فقط.. وهذا ما جعل بعض علماء البلاغة ينكرون وجود السجع في كلام الله. لأنهم لم يروا السجع قط إلا متكلفاً. بخلاف نهايات الآيات القرآنية التي لا تأتي أبداً إلا عفوية على أتم التساوق والانسجام مع المعنى، ولهذا رأوا أن تسمية هذه النهايات بالفواصل أحكم وأليق من تسميتها بالسجع.