للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقارئ ذو الشعور المرهف يدرك بذوقه في هذه الفواصل التي تختتم بها الآي من الجمال والتأثير ما لا سبيل إلى تحديده بالوصف الكلامي وسيكون أكثر إدراكاً لأثرها إذا هو ترك قراءة تلك الخواتيم واكتفى بقراءة صدورها وحدها. إذ يحس أنه يفتقد بذلك غير قليل من النغم. والجمال والتأثير.

شخصية لقمان: ولقد اعتدنا أن نقرأ الوصايا الجاهلية فقراً متقطعة لا نظام لها في الغالب حتى يمكن تغيير مواقعها دون أن يؤثر ذلك على مجموعها. لأن قائلها في الأصل لم يعن فيها بوحدة الموضوع.. أما هنا في وصية لقمان فالأمر على الضدّ. إذ نرى التماسك بين الفقرات على أتمه، فكل فقرة ممسكة بأختها، لأن كل فكرة ممهدة لما يليها. ومنها جميعاً على هذا التماسك يتألف دستور التربية المتكامل.

لقد بدأت الآيات بخبر الحكمة التي هيأ الله لها لقمان، ثم تتابعت المعاني التي تنطوي تحتها، وأولها الشكر لله. ولم تذكر الإيمان به سبحانه. لأن المناسبة تقتضي أن الإيمان أصل في الفطرة الإنسانية لا جدال فيه وإنما البحث في متطلباته ومغذياته. ولا شك أن شكر المنعم في مقدمتها لأن الحس البشري لا يقع على شيء إلا وهو من فضله تعالى. فشكر المتفضل إنما هو تعهد للنفس بالإصلاح المستمر والضبط الواعي ضمن حدود الخير.. فإذا ما تمت للقمان أن هذه الخاصة العليا، خاصة التنبه الدائم لنعم الله وشكرها. كان أهلاً لدعوة الآخرين إلى هذا الخير. وأحق الناس به منه ولده. وأفضل ما يبدأ به تزويده التحذير من الانحراف بفطرة الإيمان عن طريقها السديد. لأن الشرك ظلم عظيم.. وهكذا تتابع أجزاء الموعظة في ترابط عجيب لا يغفل شاردة ولا واردة. من الوصية بالوالدين. إلى القدوة الحسنة إلى مراقبة النفس والعمل، إلى الجهاد العام للحفاظ على صلاح المجتمع. إلى حسن معاملة الناس وما يصلح للمؤمن العاقل من أدب المعاملة لمن يدعوهم إلى الصلاح ...