وكان أكثر أيامه يأتي زمزم ليشرب منها، وخرج إلى الشام في تجارة وهو ابن اثني عشرة سنة فرأى أبو طالب من آيات نبوته ما زاد في الوصايا والحرص عليه من تظليل الشجرة بظلها عليه، وكان حكيم بن حزام قد رآه في سوق حباشة وشري منه بزاً من بز تهامة وطلبت منه خديجة أن يخرج في تجارة إلى سوق حباشة وبعثت معه غلامها ميسرة فخرج فابتاعا بزاً ورجعا إلى مكة فربحا ربحاً حسناً وكان بعد ذلك يرعى غنماً لأهل مكة بقراريط كل شاه بقيراط شهد حرب الفجار وكان يناول عمه النبل وكان عمره يومئذ عشرين سنة ثم أجر نفسه من خديجة سفرتين بقلوصين، وخرج ثانية إلى الشام في تجارة ومعه غلامها ميسرة حتى أتى بصرى، فرآه الراهب وبشر بنبوته فرغبت خديجة أن يتزوجها لما ربحت، فتزوجها بعد شهرين ولها من العمر أربعون سنة وعمره خمس وعشرون سنة على الصحيح وكان الذي سفر بينهما نفيسة بنت أمية أخت يعلة بن أَمية وكان الذي زوج خديجة من النبي عمها عمر بن أسد بن عبد عزى وشهد النبي مع أعمامه حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان، وكان الله قد أعانه وبرأه وحماه من دنس الجاهلين حتى كان يسمى بين قومه (بالأمين) لما اشتهر بين قومه من صدق حديثه. ولما بنيت الكعبة بعد هدم قريش لها سنة ٣٥ من عمره ووصلوا إلى موضع الجحر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه وأرادت كل قبيلة أَن تضعه، واستعدوا للقتال وتحالفوا على الموت ومكثوا على ذلك أربع ليال، فأشار عليهم أبو حذيفة بن المغيرة أن يجعلوا بينهم حكماً أَول من يدخل من باب المسجد.