وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمرائه أن لا يقاتلوا إلا من يقاتلهم. غير أنه أهدر دم نفر سماهم [٨٢] . فلما دخل نظر صلى الله عليه وسلم إلى البارقة فقال:" ما هذا..؟ وقد نهيت عن القتال". فقالوا:"إن خالداً قوتل وبُدىء بالقتال فلم يكن بُد من أن يقاتلهم". وبعد أن اطمأن الرسول قال لخالد:"لمَ قاتلت وقد نهيتك عن القتال "؟. فقال:"هم بدؤنا بالقتال وقد كففت يدي ما استطعت". فقال الرسول:"قضاء الله خير"[٨٣] . وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً حرمة مكة وحرمها:"إن أعدى الناس على الله من قتَل في الحرم". وقال أيضاً يوم فتح مكة:"لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة "[٨٤] .
ثم طهر رسول الله بيت الله مما شابه من أوثان وأصنام إذ جعل يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقي منها صنم إلا وقع. وعلا "بلال بن رباح "البيت فأذن بكلمة التوحيد وأعلن الإسلام [٨٥] .
فلما كان غداة يوم الفتح قام رسول الله خطيباً فقال:"يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض. فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة. فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد فيها شجراً. لم تحلل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي. ولم تحلل لي إلا هذه الساعة غضباً على أهلها. ألا ثم رجعت كحرمتها بالأمس. فليبلغ الشاهد منكم الغائب. فمن قال لكم أن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يُحللها لكم"[٨٦] .