مضيق الوادي حتى تمر به جنود الإسلام فيراها [٧٤] . فلما لحق به العباس وحبسه عن المسير في المضيق قال أبو سفيان:"أغدراً بنى هاشم ". فقال العباس:"إن أهل النبوة لا يغدرون ولكن لي إليك حاجة". فقال أبو سفيان:"فهلا بدأَت بها أولاً "؟. قال العباس:"لم أكن أراك تذهب هذا المذهب حتى ترى جند الله "[٧٥] .
ومرت القبائل المسلمة على راياتها ومر رسول الله في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان:"ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط ولا خَبرنيه مُخَبرّ. سبحان الله ما لأحد بهذا طاقة ولا يدان ". ثم قال للعباس:" لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً ". قال العباس:"ويحك يا أبا سفيان ليس بملك ولكنها نبوه ". قال:"نعم.."ثم قال العباس:" فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم ". فتقدم أبو سفيان الناس كلهم فدخل مكة فأعلن في أرجائها:"هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد وقد جعل لي من دخل داري فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن طرح السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن". وجعل يصرخ في مكة:"يا معشر قريش إنه جاءكم بما لا قِبلَ لكم به. رأيت الرجال والكراع والسلاح فلا لأحد بهذا طاقه"[٧٦] .
ونظم رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه ليدخل مكة من كل أقطارها ودخل هو من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة [٧٧] . لا فخرَ ولا زهوَ ولا خيلاء وقد أعلى الله كلمة الإسلام وصارت مكة بين يديه خاضعة لأمره. روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع رأسه تواضعاً لله، لما رأى من إكرام الله به من الفتح. حتى أن رأسه لتكاد تمس رحله شكراً لله. وخضوعاً لعظمته أن أحل الله له بلده. ولم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده [٧٨] . ومع ما أحل له، رفض قولة سعد بن عبادة لأبى سفيان:"اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة"[٧٩] . فقال الرسول:"اليوم يوم المرحمة اليوم يُعَزُ الله قريشاً"[٨٠] . وفي رواية أخرى:"كذب سعد: هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة"[٨١] .