للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول أمين دويدار: "كانت هواجس الخوف من هجرة المسلمين إلى الحبشة تقلق بال قريش، وتزعج أمنها واستقرارها، حتى تركتها في اضطراب دائم، وبلبلة مستمرة، وأغلقت منافذ التفكير على ذوى الرأي فيها، وحرمتهم التوفيق في كل ما كانوا يأتون، ويدعون من الأمر، فكانوا يقدمون على شيء يظنون أن فيه النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصد عن سبيله، فينقلب عملهم خيراً له وشراً عليهم" [١٧] .

والحقيقة أن هذه الصحيفة كانت دعاية لصالح المسلمين بين الوافدين إلى مكة وتبين الناس ظلم قريش وعدوانها حتى أدى ذلك إلى شعورها بالخزي.

وها أذكر الآن بعض الأسباب التي اختار النبي صلى الله عليه وسلم أرض الحبشة لتكون هي المهجر الأول للمسلمين فيما يلي:

أولاً: اختارها لعدم وجود قبائل عربية مستقرة فيها، فتتمكن قريش عن طريقها من النيل من المسلمين وتكون الهجرة سبباً في إثارة المتاعب في وجوه المهاجرين، أما الجزيرة العربية – إذ ذاك –فلم تكن مهيأة للهجرة إليها، بل ربما كان من المحقق أن تجامل قريشاً لمكانتها وعظمتها لديهم، بسبب بدانتها البيت وسيادتها الدينية وكونها من ولد إسماعيل.

أما العراق والشام فكان يعوزهما الاستقرار السياسي، إذ كانت الحروب والاضطرابات مشتعلة فيها، فالهجرة إليهما لا تحقق الغرض المقصود، بل إنها تكون أشد خطراً من الإقامة في مكة نفسها، فضلاً عن أنه كانت هناك بينها وبين قريش علاقات تجارية قديمة وغير تجارية مما يجعل العراق والشام تبادران إلى إجابة مطالب قريش، كذلك كان دولة الفرس قائمة وما كانت تدين بدين سماوي، فما كانت الهجرة كذلك تصلح لديهم.

كل ذلك يدل على أن الهجرة إلى هذه الجهات كانت أمراً غير مأمون العواقب، ثم إن المهاجرين لا يمكنهم اختراق شبه جزيرة العرب إلى هذه الجهات النائية دون التعرض للقرشيين وحلفائهم [١٨] .