خامساً: ومن عواملها: أخذ التجربة لنشر الدعوة في موطن جديد، مع الإبقاء على ضعفة المسلمين ويؤيد هذا القول أن الهجرة جاءت بعد أن لم يستجب للدعوة إلا قليل، ويشهد لهذا- أيضاً- ما سبقت الإشارة اليد من أنه لم يهاجر كل الضعفة المعذبين، إذ ما كل مستضعف كان يلوذ بالفرار والهجرة بما يدل عليه ما جرى لعثمان بن مظعون الذي كان في جوار من وليد بن المغيرة.
وذلك أنه لما رأى ما فيه أصحابه صلى الله عليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد، فقال:"هذا نقص كبير في نفسي"، فرد إليه جواره. (أنظر: ابن هشام، السيرة ١ ص ٣٨٦) .
سادساً: وشيء آخر ذو بال يلمح من الهجرة إلى الحبشة، أملأ وهو الجانب الإعلامي لأمر الدعوة الإسلامية بحيث ينتشر عند العرب وغيرهم أمر هؤلاء القوم الذين أتوا النجاشي وظفروا بحمايته، من هم؟ ولماذا جاءوا؟ وبماذا جاءوا؟ . وتتناقل الألسنة هذا الخبر من مكان إلى آخر، فيصبح ذلك بمثابة الإعلام الناجح عن وجود هذه الدعوة الإسلامية فيترتب على ذلك انتشارها في أماكن مختلفة، وهذا كسب عظيم.
وهذا الأمر زاد من قلق قريش، فقد أشاعت هذه الهجرة في أهل مكة جواً من الخوف وزلزلة في القلوب، حتى ترك رجال قريش حيارى لا يدرون ماذا يفعلون؟.
لقد أحس الملأ من قريش أن الزمام أخذ يفلت منهم، وأن هؤلاء الذين احتموا بأرض الحبشة من المسلمين سيكونون- بلا ريب- دعاية حسنة لدعوة الإسلام، فليس يبعد أن يتأثر الأحباش بدعوتهم فيسلموا، وينتشر الإسلام، فيصير المسلمون قوة وكثرة، وتصبح لهم قاعدة إسلامية هناك، ولقد أسقط في يد قريش عندما رجع رسولاها من عند النجاشي بدون جدوى ففي هذا الجو الغاضب الحائر قرروا أن يقاطعوا بنى هاشم وبني عبد المطلب بالصحيفة الظالمة.